كهف أفلاطون
جزء من سلسلة مقالات حول |
الأفلاطونية |
---|
![]() |
بوابة الفلسفة |
أمثولة الكهف لأفلاطون، هي قصة رمزية قدمها الفيلسوف اليوناني أفلاطون في كتابه الجمهورية (514 إيه - 520 إيه، الكتاب السابع) لمقارنة «تأثير التعليم وعدمه على طبيعتنا». وهي مكتوبة على شكل حوار بين شقيق أفلاطون، غلاكون، ومعلمه سقراط على لسان الأخير. قُدمت هذه الأمثولة بعد تشبيه الشمس (508 بي - 509 سي) وتشبيه الخط المنقسم (509 دي - 511 إي).
يصف أفلاطون في الأمثولة أناسًا قضوا حياتهم بأكملها مقيدين من أعناقهم وكواحلهم أمام جدار داخلي لكهف ومطلين على جدار أمامهم، يراقبون الظلال المنعكسة عليه، وهي ظلال أشياء يحملها أشخاص يمشون على طول الجدار الداخلي وتوجد نار خلفهم تسبب تشكل الظلال على الجدار أمام السجناء. هؤلاء الأشخاص «حاملو العلامات» غير مرئيين بالنسبة «للسجناء» المقيدين، ينطقون بأسماء الأشياء، وتنعكس أصواتهم بالقرب من الظلال، فيفهمها السجناء وكأنها صادرة عن الظلال نفسها.
الواقع الحقيقي بالنسبة للسجناء هو الظلال والأصوات فقط، ولكنها تمثيلات غير دقيقة للعالم الحقيقي. فالظلال نسخ مشوهة وغير واضحة للواقع الذي يمكننا إدراكه من خلال حواسنا، بينما تمثل الأجسام الموجودة تحت الشمس الأشكال الحقيقية للأشياء التي لا يمكننا إدراكها إلا من خلال العقل. توجد ثلاثة مستويات عليا: العلوم الطبيعية؛ والرياضيات الاستنتاجية والهندسة والمنطق؛ ونظرية المُثُل.[1]
يقول سقراط أن الفيلسوف يشبه سجينًا تحرر من الكهف وأدرك أن الظلال المتراقصة على الجدار ليست المصدر المباشر للصور التي يراها. يهدف الفيلسوف إلى فهم وإدراك المستويات العليا من الواقع. ومع ذلك، فإن السجناء الآخرين في الكهف لا يرغبون حتى في مغادرة سجنهم، لأنهم يجهلون وجود حياة أفضل. يربط سقراط ما بين هذه الأمثولة وبين كتابات سابقة، وهي تشبيه الشمس وتشبيه الخط المنقسم.
ملخص الأمثولة
[عدل]السجن في الكهف
[عدل]يبدأ أفلاطون الأمثولة بطلب سقراط من غلاكون تخيل كهف يُسجن الناس فيه منذ طفولتهم. هؤلاء السجناء مقيدون فتكون أرجلهم وأعناقهم ثابتة، مما يجبرهم على التحديق في الحائط أمامهم وعدم النظر حولهم إلى الكهف أو إلى بعضهم البعض أو حتى إلى أنفسهم (514إيه - بي). توجد نار خلف السجناء، وبين النار والسجناء ممر مرتفع مع جدار منخفض يتيح وصول الضوء، يمشي الناس خلفه حاملين أشياء أو دُمى «لرجال وكائنات حية أخرى» (514 بي).[2]
يسير الناس خلف الجدار فلا تُلقي أجسادهم ظلالًا ليراها السجناء، ولكن الأشياء التي يحملونها ترمي ظلالًا واضحة («تمامًا مثل مُحركي الدمى الذين يحركون دماهم من خلف ستار أمامهم») (514 إيه). لا يستطيع السجناء رؤية أي شيء مما يحدث خلفهم، فهم قادرون على رؤية الظلال المنعكسة على جدار الكهف أمامهم فقط. يتردد صدى أصوات الناس المتحدثين على الجدران، فيعتقد السجناء أن هذه الأصوات صادرة عن الظلال (514 سي).
يقترح سقراط أن الظلال هي الواقع بالنسبة للسجناء لأنهم لم يروا شيئًا آخر أبدًا، فهم لا يدركون أن ما يرونه هو ظلال لأشياء أمام النار، ناهيك عن أن هذه الأشياء مستوحاة من أشياء حقيقية خارج الكهف لا يرونها (514بي - 515 إيه).
الخروج من الكهف
[عدل]يفترض سقراط بعد ذلك أن السجناء قد أُطلق سراحهم.[3] في البداية، سينظر السجين المُحرر حوله ويرى النار. سيؤذي الضوء عينيه ويجعل من الصعب عليه رؤية الأشياء التي تُلقي الظلال. إذا قيل له إن ما يراه هو حقيقي بدلًا من النسخة الأخرى من الواقع التي اعتاد رؤيتها على الحائط، فلن يصدق ذلك. يتابع سقراط: سوف يبتعد السجين المُحرر، وهو في غمرة ألمه، ويركض عائدًا إلى ما اعتاد عليه (أي ظلال الأشياء المحمولة). النور «... سيؤذي عينيه، وسوف يهرب إلى الأشياء التي كان قادرًا على النظر إليها، ويعتقد أنها أكثر وضوحًا مما كان يُعرض عليه».
يتابع سقراط: «لنفترض... أن شخصًا ما سيسحبه... بالقوة، ليصعد هذا المنحدر الوعر، ويجتاز الطريق الشاق، ولن يتوقف أبدًا حتى يتمكن من جره إلى نور الشمس». سيغضب السجين ويتألم، وسيزداد الأمر سوءًا عندما يغمر نور الشمس الساطع عينيه ويعميه.
«شيئًا فشيئًا، تتكيف عيناه مع نور الشمس. يستطيع أولًا رؤية الظلال فقط. ويتمكن تدريجيًا من رؤية انعكاسات الناس والأشياء في الماء، ثم لاحقًا يرى الناس والأشياء أنفسهم. وفي نهاية المطاف، يتمكن من النظر إلى النجوم والقمر في الليل، حتى يصبح قادرًا أخيرًا على النظر إلى الشمس نفسها (516 إيه)». وفقط بعد أن يتمكن من النظر مباشرة إلى الشمس «يصبح قادرًا على التفكير بها» والتفكر بماهيتها (516 بي).[4][5]
العودة إلى الكهف
[عدل]يتابع سقراط قائلًا إن السجين الحر سيعتقد أن العالم خارج الكهف أرقى من العالم الذي اختبره في الكهف، وسيحاول مشاركة ذلك مع السجناء المتبقين في الكهف محاولًا جلبهم إلى الرحلة التي مر بها لتوه؛ «سيبارك نفسه على التغيير، ويرثي لحال [السجناء الآخرين]» وسيرغب في إخراج رفاقه سكان الكهف من ظلام الكهف إلى نور الشمس (516 سي).[2]
لكن السجين العائد، الذي اعتادت عيناه نور الشمس، سيصبح أعمى عندما يعود إلى الكهف، تمامًا مثلما كان عندما تعرض لنور الشمس للمرة الأولى (516 إي). سيستنتج السجناء الذين بقوا - وفقًا للحوار - من حالة العمى التي أصابت الرجل العائد، أن الرحلة إلى خارج الكهف قد ألحقت به ضررًا، وأنه لا ينبغي عليهم القيام برحلة مماثلة. يختتم سقراط بأن السجناء - إذا كانوا قادرين - فسوف يمدون أيديهم ويقتلون أي شخص يحاول جرهم خارج الكهف (517 إيه).
ظهور موضوعات هذه الأمثولة في أعمال أخرى لأفلاطون
[عدل]تتعلق الأمثولة بنظرية المُثُل لأفلاطون، وبناءً عليها، فإن «المُثُل» (أو «الأفكار») - وليس العالم المادي الذي نعرفه من خلال الإحساس - تمتلك أسمى وأهم أنواع الحقيقة. إن معرفة المُثُل تشكل المعرفة الحقيقية، أو ما يعتبره سقراط «الخير». يخبر سقراط غلاكون أن أفضل الناس يجب أن يتبعوا أسمى أنواع الفكر، وهو إبصار الخير. مع ذلك، فإن أولئك الذين ارتقوا إلى هذا المستوى الأعلى يجب ألا يبقوا هناك، بل عليهم أن يعودوا إلى الكهف ويعيشوا مع السجناء، ويشاركوهم في الأعمال والتشريفات.[6]
يحتوي كتاب فايدو لأفلاطون على تشبيهات مماثلة لتلك الموجودة في أمثولة الكهف، إذ يدرك الفيلسوف أنه قبل الفلسفة، كانت روحه «سجينة حقيقية مقيدة داخل جسده... وأنه بدلًا من استكشاف الحقيقة الواقعة بحد ذاتها وجوهرها، فإنه مُجبر على النظر عبر قضبان السجن».[7]
النقاش الأكاديمي
[عدل]يناقش الباحثون التفسيرات المحتملة لأمثولة الكهف، إما بالنظر إليها من وجهة نظر معرفية – قائمة على دراسة معتقد أفلاطون ببلوغنا معرفة الأشياء – أو من خلال منظور سياسي. يقع جزء كبير من الدراسات حول الأمثولة بين هذين المنظورين، مع بعض الدراسات المستقلة تمامًا عن أي منهما. يميل الرأي المعرفي والرأي السياسي - اللذان يمثلهما بشكل بارز ريتشارد لويس نيتلشيب وإيه. إس. فيرغسون على التوالي - إلى أن يكونا الأكثر تداولًا في النقاش.
يفسر نيتلشيب أمثولة الكهف على أنها تمثيل لعجزنا الفكري الفطري - من أجل المقارنة بين فهمنا الأقل من فهم الفيلسوف - بالإضافة لكونها رمزية للأشخاص غير القادرين، أو غير الراغبين في البحث عن الحقيقة والحكمة. من ناحية أخرى، يبني فيرغسون تفسيره للأمثولة على الادعاء بأن الكهف هو رمز للطبيعة البشرية وأنه يرمز إلى التضاد بين الفيلسوف وفساد الوضع السياسي السائد.[8]
ظهرت انقسامات داخل هاتين المدرستين الفكريتين. نشأ جزء كبير من النقاش الأكاديمي الحديث المحيط بالأمثولة من البحث الخاص بمارتن هايدغر للأمثولة، والفلسفة ككل، من خلال عدسة الحرية الإنسانية في كتابه جوهر الحرية الإنسانية: مقدمة في الفلسفة، وكتاب جوهر الحقيقة: حول أمثولة كهف أفلاطون وثياتيتوس.[9] ردًا على ذلك، اقترحت حنا أرنت، وهي من المدافعين عن التفسير السياسي للأمثولة، أن أفلاطون «أراد من خلال هذه القصة أن يطبق نظرية الأفكار الخاصة به على السياسة». وعلى العكس من ذلك، يجادل هايدغر بأن جوهر الحقيقة هو طريقة للوجود وليس شيئًا صريحًا. انتقدت أرندت تفسير هايدغر للأمثولة، وكتبت أن «هايدغر... جانبَ الصواب في استخدام أمثولة الكهف لتفسير و ‹انتقاد› نظرية أفلاطون بشأن الأفكار».
يناقش علماء مختلفون أيضًا إمكانية وجود صلة بين العمل في الأمثولة والكهف، وبين مقارنتي أفلاطون، تشبيه الخط المنقسم وتشبيه الشمس. قدم أفلاطون تشبيه الخط المنقسم في كتاب الجمهورية، وعرض من خلاله حوارًا بين سقراط وغلاكون يستكشفان فيه إمكانية وجود عالم مرئي ومُدرك بالعقل، ويتكون العالم المرئي من عناصر مثل الظلال والانعكاسات (من إيه إلى بي) ثم الارتقاء إلى العنصر المادي نفسه (من بي إلى سي) بينما يتكون العالم المُدرك بالعقل من التفكير الرياضي (من سي إلى دي) والفهم الفلسفي (من دي إلى إي).[10]
يرى الكثيرون أن في ذلك تفسيرٌ للطريق الذي يمر به السجين في أمثولة الكهف في رحلته، أولًا في العالم المرئي مع ظلال مثل تلك الموجودة على الحائط، ثم فهم الواقع المادي مع إدراك مفاهيم مثل كون الشجرة منفصلة عن ظلها. تصل الرحلة إلى العالم المُدرك بالعقل عندما ينظر السجين إلى الشمس.
يشير تشبيه الشمس إلى اللحظة التي اقترح فيها سقراط، بعد أن حثه غلاكون على تعريف الخير، تشبيهًا من خلال «طفل الخير». يكشف سقراط أن «طفل الخير» هذا هو الشمس، ويقترح أنه عندما تضيء الشمس، فإنها تمنح الأشخاص القدرة على أن يروا وأن يكونوا مرئيين، بنورها، وهكذا تمامًا فإن فكرة الخير تضيء الإدراك بالحقيقة، مما يدفع بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن هذا يشكل ارتباطًا بالشمس والعالم المُدرك بالعقل داخل الحيز الخاص بأمثولة الكهف.[11]
انظر أيضًا
[عدل]مراجع
[عدل]- ^ Ferguson، A. S. (1922). "Plato's Simile of Light. Part II. The Allegory of the Cave (Continued)". The Classical Quarterly. ج. 16 ع. 1: 15–28. DOI:10.1017/S0009838800001956. JSTOR:636164. S2CID:170982104. مؤرشف من الأصل في 2022-12-28. اطلع عليه بتاريخ 2022-09-06.
- ^ ا ب Plato. Rouse، W.H.D. (المحرر). The Republic Book VII. Penguin Group Inc. ص. 365–401.
- ^ أفلاطون, The Republic, Book 6, translated by Benjamin Jowett, online نسخة محفوظة 18 April 2009 على موقع واي باك مشين.
- ^ Jowett, B. (ed.) (1941). Plato's The Republic. New York: The Modern Library. 964319.
- ^ Malcolm، John (1 يناير 1962). "The Line and the Cave". Phronesis. ج. 7 ع. 1: 38–45. DOI:10.1163/156852862x00025. ISSN:0031-8868.
- ^ Watt، Stephen (1997)، "Introduction: The Theory of Forms (Books 5–7)"، Plato: Republic، London: Wordsworth Editions، ص. xiv–xvi، ISBN:978-1-85326-483-2
- ^ Elliott، R. K. (1967). "Socrates and Plato's Cave". Kant-Studien. ج. 58 ع. 2: 138. DOI:10.1515/kant.1967.58.1-4.137. S2CID:170201374.
- ^ Nettleship، Richard Lewis (1955). "Chapter 4 - The four stages of intelligence". Lectures On The Republic Of Plato (ط. 2nd). London: Macmillan & Co.
- ^ McNeill، William (5 يناير 2003). "The Essence of Human Freedom: An Introduction to Philosophy and The Essence of Truth: On Plato's Cave Allegory and Theaetetus". Notre Dame Philosophical Reviews. مؤرشف من الأصل في 2023-05-11. اطلع عليه بتاريخ 2022-09-06.
- ^ Raven، J. E. (1953). "Sun, Divided Line, and Cave". The Classical Quarterly. ج. 3 ع. 1/2: 22–32. DOI:10.1017/S0009838800002573. JSTOR:637158. S2CID:170803513.
- ^ Pojman، Louis & Vaughn، L. (2011). Classics of Philosophy. New York: Oxford University Press, Inc.