مع شروق كل شمس في فلسطين، نصحو، نلملم جراحنا، ونحصي ما استجدّ منها، ونطالع في الأخبار المتدفّقة صباحا أسماء آخر من طالهم معول الموت الإسرائيلي، أو مَن ودّعوا أطفالهم وعائلاتهم للتو قبل أن يقتادهم الجنود المدججين بالسلاح الى غياهب السجون.

كانوا بالأمس بيننا، ربما لم نعرفهم عن قُرب، ولم نسمع بقصصهم أو نحفظ وجوههم، لكنهم أناس يشبهوننا ونشبههم، وتشبه أمهاتنا أمهاتهم، وأطفالنا أطفالهم، وأحلامنا أحلامهم.

هكذا تبدو الصباحات في بلادنا، شاحبة باردة، مثقلة بأوجاع وأحزان متراكمة، نظن أننا اعتدنا عليها، فيباغتنا أحد الصباحات حاملاً اسم شهيد أو معتقل أو جريح، عرفناه قريبا أو صديقا أو عزيزا، فندرك أن الحياة تحت الاحتلال لا زال بإمكانها أن تكون أكثر برودة وقسوة وبشاعة.

هكذا كان الصباح الذي رحلت فيه شيرين أبو عاقلة قبل عام من الآن، فكلنا يعرفها ويحفظ وجهها الذي كان يطل من شاشات التلفاز يوميا ليزور بيوتنا ويمكث في ذاكرة أجيال منا، وكلنا يميّز صوتها الذي كان يصدح فاضحاً فظائع ما يرتكبه الاحتلال بحق شعبنا في كل مكان.

في ذلك الصباح رحلت شيرين، وكم تمنى كل واحد فينا لو استطاع فعل أي شيء لتعود بيننا، لكنها رحلت، وليس من سبيل لتغيير ذلك. لكن ما نستطيع تغييره هو أن نحرم المجرم القاتل الذي اغتالها من نشوة النصر وبهجة اسكات واحد من أهم الأصوات التي فضحت لعقود جرائمه وفظائع ما يرتكبه بحق شعبنا الفلسطيني.

وبالفعل، عكفنا كصحفيين زملاء لشيرين على إنشاء هذا المرصد ليحمل اسم "مرصد شيرين"، بهدف جمع وتوثيق البيانات حول الانتهاكات اليومية للاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، ويعرضها موثّقة بالأرقام والأسماء والتفاصيل، استكمالا لمسيرة شيرين المهنية ورسالتها السامية، التي حرصت فيها ولسنوات طويلة على تقديم الرواية الفلسطينية للعالم، موثقة بقصة الإنسان وبكل ما يؤيّدها من أرقام ومعطيات.

ان هذا المرصد يسعى لحماية الرواية الفلسطينية وتعزيزها في زمن التحول الرقمي، وفاءً لدماء الشهداء وعذابات الأسرى والجرحى والمهجرين، وتخليداً لاسم شيرين أبو عاقلة الذي سيبقى دائما في قلوب الفلسطينيين.